مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
الحث على التوبة الصادقة بعد الرجوع من الحج
نعرف أن الإنسان الذي جاء إلى هذه المشاعر قصده- إن شاء الله- الأجر والثواب من الله تعالى فإذا كان كذلك فإن عليه أن يصدق التوبة، وأن يتوب إلى الله توبة صادقة.
ذكر بعض مشايخنا عن مشايخهم أنه كان في المسجد الحرام اسم> قريبا من الباب حفرة يسمونها حفرة التوبة اسم> وأن العاصي الذي وقعت منه معاصٍ إذا جاء هناك رفع يديه وقال: يا ربِّ إني تائب. ولكن تلك الحفرة لا أساس لها؛ وإنما التوبة تكون في كل الأماكن. ولكن الإنسان الذي جاء إلى هذه المشاعر، المشاعر والشعائر: البيت الحرام اسم> والمقام اسم> والحجر اسم> والصفا اسم> والمروة اسم> ومنى اسم> ومزدلفة اسم> وعرفة اسم> والجمرات والأعمال التي تعمل فيها جاء لأجل أن يتعلم، وجاء لأجل أن يعمل وأن يتعبد.
فإذا كان كذلك فإن عليه أن يرجع تائبا مخلصا يتيقن أن صَدَقَ اللهَ تعالى في توبته. يمتثل قول الله تعالى: رسم> يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا قرآن> رسم> يتوب من كل الصغائر، ومن كل الكبائر، ومن كل الذنوب. ويعاهد الله على ألا يخل بالعبادات: فرائضها وسننها ونوافلها. ويعاهد ربه على ألا يرتكب محرما، وعلى ألا يفعل ذنبا أيا كان ذلك الذنب أو يقف في آثار الصالحين. يعرف أن الصحابة قد طافوا بهذا البيت اسم> فيقتدي بهم. ويعرف أنهم قد وقفوا في هذه المواقف فيتذكر أحوالهم.
ويعرف أيضا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قد وقف في هذه المشاعر فعند ذلك يعرف أنهم أهل التقى وأهل الإيمان وأهل العلم وأهل الديانة، وهم أولى بأن يقتدى بهم وأن تتبع آثارهم. لم يكونوا يفعلون شيئا من المحرمات، ولا يتركون شيئا من الواجبات. يمتثلون ما أمر الله به من ترك المحرمات كقول الله تعالى: رسم> قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قرآن> رسم> .
وحرم الله تعالى الاعتداء على كل مسلم. وحرم الظلم بجميع أنواعه: الظلم الذي بين العبد وبين ربه، والظلم الذي بينه وبين نفسه، والظلم الذي بينه وبين العباد.
فإذا عرف أن ذلك كله مما حرمه الله فإن عليه أن يعاهدَ اللهَ تعالى. يقول ابن عباس اسم> رضي اللهُ عنهما: إن الإنسانَ إذا استلمَ الحجرَ أو أشارَ إليهِ فكأنه يعاهدُ ربه. يقول: إن من استلمه فكأنه استلم يمين الله فكأنه يقول: أعاهدك يا ربِّ في هذه البقعة المباركة وعند بيتك المحرم أني لا أعود إلى ذنب، وأني أتوب من صغير الذنوب وكبيرها، وأني أرجع متأثرا بهذه الأعمال التي أنا أعملها والتي تقربت بها إليك. إذا كان كذلك فلا شك أنه سيتأثر ويرجع تائبا، ويقبل الله عمله، ويضاعف له أجره.
فأما إذا رجع وهو على عادته على تفريطه في العبادات، وعلى تأخره عن الصلوات وعلى تأخير الجماعات، وعلى تعاطيه للمسكرات أو للمخدرات، وعلى سماعه للأغنيات أو للملاهي وما أشبهها، وعلى تعاطيه للمعاكسات أو ما أشبهها على تفريطه وعلى معاصيه رجع إلى ما كان عليه قبل الحج؛ فقد يكون حجه غير مقبول وغير مستفاد منه، فلا يكون تائبا توبة صادقة.
ذكر العلماء أن للتوبة ثلاثة شروط أو أربعة:
الشرط الأول: الإقلاع عن الذنوب، والشرط الثاني: الندم على ما فات، والشرط الثالث: العزم على ألا يعود، والشرط الرابع ويختص بالمظالم: أن يرد المظالم إلى أهلها.
فأما من قال بلسانه: إني تائب، أتوب إليك وهو مع ذلك مستمر في السيئات وفي ترك الطاعات فليس بصادق ولا تقبل توبته. وكذلك الذي يقول: أنا تبت ومع ذلك يتمدح في المجالس ويقول: أنا قد زنيت بفلانة كذا وكذا، وقد فعلت سكرت وشربت، أو قد اقتنيت كذا وكذا من المحرمات. فهذا يتمدح بالمعاصي فلا تقبل توبته، ولا تكون توبة نصوحا.
وهكذا أيضا الذي يتوب في وقت محدد أو مكان محدد كأن يتوب في هذه المشاعر ولكن في نيته أنه إذا رجع إلى بلاده عاد إلى ما كان عليه من الإهمال ومن التفريط فلا تقبل التوبة.
فعلينا أن نرجع صادقين في توبتنا. كل ذنب صغير أو كبير يعمله المسلم يتفطن أن الله تعالى حرمه فيتوب عليه. فمثلا حرم الله تعالى التكبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر متن_ح> رسم> ؛ لأنه يتكبر على الله ويتكبر على عباده.والله تعالى يقول: رسم> العظمة إزاري والكبرياء ردائي متن_ح> رسم> ؛ فيتوب من ذلك ويتواضع. يتواضع لعباد الله ويتواضع لربه سبحانه وتعالى.
كذلك أيضا من جملة ما حرمه قوله تعالى: رسم> وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا قرآن> رسم> أي تكبرا وإعجابا بنفسك. تمشي في الأرض مرحا. وقال تعالى: رسم> وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قرآن> رسم> يعني تترفع عليهم. رسم> وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ قرآن> رسم> يتجنب هذه الأخلاق لعله بذلك يكون مقبول السعي.
كل منا يحرص على ألا يكون سعيه ضائعا، على ألا يكون تعبه لا يستفاد منه. أنت قد تعبت وقد خسرت وأنفقت جزءا من مالك، وتركت بلادك وتركت أهلك وتركت أموالك وحرفك وتجاراتك ووظائفك وأعمالك لماذا تركتها؟ أنت تركتها لأجل أن تحصل على المغفرة، وأن تحصل على المباهاة. رسم> إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته متن_ح> رسم> تركْتَها لأجل أن تكون من أهل الثواب الأعظم. فإذا كانت هذه نيتك فاصدق مع الله تعالى، وحقق هذا القصد الذي هو طلب وجه الله تعالى، والذي هو الأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه وتعالى.
نكتفي بهذا في باب الوصايا ولنشتغل بالأجوبة على الأسئلة.
مسألة>